كَلمـاتُ اللّـه الكلمات التكوينيَّة والكلمات التدوينيَّة، هناك نوعان من الحروف والكلمات والجمل: النـوع الأوَّل: التـكوينية. النـوع الثاني: التـدوينية. الكلمات التكوينية هي الأساس التِّي لها المصداقية العينيَّة وأمّا الكلمات التدوينيَّة فهي ليست على الحقيقة، بل إطلاق الكلمات عليها مجازاً، وسميت تدوينية باعتبار أنها تُدَون وتكتب وهي الألف والباء والجيم والدال.... تلك الحروف التي إن اجتمعت دلَّتْ على الحقائق العينيَّة الخارجيَّة . فعندما نقول مثلاً "الباب" فهناك في عالم الخارج بابٌ هو مصداق للكلمة التي تلفظنا بها والكلمة تُمثِّل ذلك الباب العينيِّ الخارجيِّ، وكذلك كلمة "البحر" و"البرّ" و"السماء" و"الأرض" فالكلمة إذاً ليست هي حقيقة مستقلة في قبال الحقيقة الموجودة في الخارج، وعليه لا يمكن إطلاق الكلمة على الألفاظ، وإن أطلقت عليها فهو ليس إطلاقا حقيقيا بل هو على نحو المجاز. والكلمات ليست هي إلاّ تَبْيين أو بالأحرى إيجاد الأشياء الخارجيَّة في ذهن السامع، فهناك شيء موجود في الخارج وهناك أمر آخر نحن تلفظنا به، ذلك كي نحقِّق صورةً من تلك الحقيقة في ذهن السامع. فعندما سمينا الأرض بهذا الإسم أعني الهمزة والراء والضاد وسمينا البحر بالباء والحاء والراء والسماء بالسين والميم والألف والهمزة فلا نقصد بذلك إلا الوصول من خلال تلك الكلمات إلى واقع الأرض والبحر والسماء، ولنقل ذلك الواقع إلى أذهان الآخرين، كي يتصوَّروا ما تصوَّرناه فيعرفوه. فلو كان هناك إنسانٌ يعيش في البر ولم يرَ البحر قطّ ونحن أردنا أن نبين له واقع البحر فأفضل وسيلة لذلك هي استعمال الكلمات، حيث أنَّ هذه الكلمات حينئذ سوف توجد صور ذهنية عندنا، شريطة أن نبيِّن الواقع بشكلٍ صحيح وصورةٍ واضحةٍ لا غموض فيها فلربَّ متكلِّمٍ لا يمكنه نقل كلّ ما في ذهنه إلى الآخرين وذلك لضعف بيانه وقلة ممتلكاته ومعرفته للكلمات التي يستخدمها حين الحديث أو عدم رعايته أدب تلك اللغة، فكميَّة الكلمات مضافاً إلى فهم أدب اللغة لهما دورٌ رئيسيٌّ في نقل المفاهيم إلى الآخرين . الكلمات التكوينيَّة وأمّا الكلمات التكوينيَّة فهي الأمور الخارجية والحقائق العينيَّة التِّي لها وجودٌ حقيقي، فواقع السماء والأرض والبرّ والبحر والجبال كلمات تكوينيَّة، سميت تكوينية لأن الله كوَّنها وأوجدها : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (النحل/40) فقول الله هو الإيجاد لا التكلُّم، وليس هناك فاصل زمني بين الإيجاد والوجود نعم هناك فاصل في الرتبة فقط فهو الذي أوجدَها فوُجدت وهذا شأن كلّ علةٍّ ومعلول كما هو ثابت في محلِّه. فجميع الموجودات التِّي كوَّنها الله سبحانه وخلقها هي كلماته، وهي غير مختصَّة بعالم المُلك والدنيا بل تشمل عالم الملكوت والجبروت فالجنَّة وما فيها كلمات الله التكوينيَّة، ولكثرتها وعدم إمكان إحصائها قال تعالى : {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (الكهف/109) {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (لقمان/27) ومن الواضح أنَّه ليس المقصود من الآية هي الكلمات المكتوبة بل هي الكلمات الواقعيَّة العينيَّة . ومن أبرز كلمات الله هم أصحاب الكساء الخمسة الذين بهم قبل الله توبةَ آدم عليه السلام كما قال تعالى : {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة/37) و في هذا المجال أحاديث كثيرة نكتفي بذكر حديث واحد : ((عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت الخطيئة بآدم و أخرج من الجنَّة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم ادع ربك قال يا حبيبي جبرئيل ما أدعو؟ قال قل ربِّ أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلا تبت علي ورحمتني فقال له آدم يا جبرئيل سمِّهم لي، قال قل اللهم بحق محمد نبيك وبحق على وصي نبيك وبحق فاطمة بنت نبيك وبحق الحسن والحسين سبطي نبيك إلا تبت علي فارحمني فدعا بهن آدم فتاب الله عليه، وذلك قول الله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، وما من عبد مكروب يخلص النية ويدعو بهن إلا استجاب الله له)) (بحار الأنوارج26 ص333 الرواية15 باب7) ولا تخفى عليك لطافة كلمة "فتلقَّى" فهي تدل على نوعٍ من الانسجام بين آدم وبين تلك الأنوار الطاهرة بحيث أنَّه بمجرد التلقِّي حصلت التوبة قهراً "فتاب عليه". وقال تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (يونس/82) وفي تفسير علي بن إبراهيم: ((بالأئمة و القائم من آل محمد صلى الله عليه و آله)) (بحار الأنوار ج9 ص234 الرواية129 باب1) كما أنَّ القرآن الكريم يطلق على النبي عيسى عليه السلام أنَّه كلمة من كلمات الله قال عزَّ شأنه : {إِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران/45) نلاحظ في هذه الآية المباركة أنَّ المسيح عيسى ابن مريم اسم ذلك النبي الذي هو كلمة الله وهو حقيقة خارجية مقدَّسة، وقال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ} (آل عمران/39) والكلمة التي صدَّق بها يحيى هو المسيح عيسى بن مريم كما يستفاد ذلك بانضمامها إلى الآية السابقة وذهب إليه أكثر المفسِّرين. وربَّما أطلقت الكلمة على الحوادث التِّي لها بالغ الأهميَّة كما في قوله تعالى : {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة/124) فالآية تشير إلى الوقائع والحقائق الخارجية التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام وهي تتمثَّل في قضية ذبح ابنه إسماعيل وإلقائه في النار ومواجهته لنمرود وغيرها ، فكلُّ هذه القضايا حقائق خارجية أطلقت عليها كلمات . وقد ورد في التوقيع الصادر من الناحية المقدسة حرسها الله تعالى : ((اللهم صل على محمد حجتك في أرضك وخليفتك في بلادك والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك والثائر بأمرك، ولي المؤمنين وبوار الكافرين، ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والناطق بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة في أرضك، المرتقب الخائف، والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمص وارتدى)) (بحار الأنوارج94 ص2 الرواية4 باب28) والأدعيَّة المأثورة عنهم عليهم السلام مليئة بذلك كدعاء السمات ودعاء جوشن الكبير وغيرهما. وعلى ضوء ذلك يستنتج أنَّ الكلمات هي حقائق خارجيَّة قبل أن تكون ألفاظاً، وتلك الحقائق لايفرق فيها بين أن تكون أمور عينيَّة خارجيَّة أو وقائع وحوادث مهمَّة. ثمَّ إنَّه ليس من الضروري مشاهدة جميع الكلمات التكوينيَّة حسّاً بل يمكن لنا أن ننظر إلى بعضها بأعيننا المُلكيَّة وأمّا البعض الاخر فتفتقر إلى عين ملكوتيَّة برزخيَّة (ما وراء الطبيعة). ومن هنا نرى بان الله سبحانه و تعالى يقول: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} (الحاقة 38، 39) فهناك أشياء و حقائق يمكن ان نُبصرها وهناك ما لا يمكن، ولكنّ كليهما تكوينيتان واضحتان، وإنَّما النقص و الضعف فينا نحن الضعفاء فيمكننا أن نبصر بعضها باعتبار أنَّها من عالم الملك ولا يمكننا ان نبصر البعض الآخر-مع وضوحها- لأنَّنا نحن لم نصل إلى مستوى الملكوت، فالملائكه وجودهم واضح وضوح الشمس إلاّ أنَّنا لا يمكننا رؤيتهم، كما أنَّ وجود الأرواح ولكن لا يمكننا أن نُبصرها، و سر ذلك أنَّنا لا نعيش ذلك العالم. ولشدة وضوحها وفرط ظهورها قال (لا أُقسمُ) فهي لا تحتاج إلى قسم كقوله تعالى : {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} (الواقعة/75) {فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} (الإنشقاق/16-18) {لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} (البلد/1-3) {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (القيامة1،2) فاللاء النافية هاهنا ليست زائدة تأكيديَّة كما يتصوَّر الكثير من المفسِّرين، بل هي على حقيقتها، وإنَّما ذكرت لتبيِّن وضوح الشيء، ومن الطبيعي أنَّ هذه اللاء تنفي لتُثبِت، فنفيُ القسم ههنا يعادل سبعين قسماً وكأنَّه تعالى يقول: إن أردتم أن أقسم فسوف أُقسم كثيراً. ورب إنسان لا يفهم الكلمات التكوينيَّة المُلكية ولا يبصرها مع أنَّه ينظر اليها بعينيه ! فهو يرى و لا يبصر ، كما ورد في القرآن الكريم عن الذين كانوا ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله : {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إلى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} (الأعراف/198) فليس كل مانراه نعرفه بل نحن لا نعرف حقيقة الاشياء أصلاً، فالبصر في عالم الدنيا أيضا يحتاج إلى دقَّة وإلى مستوى من الرقيِّ الروحي، فلا يتحقَّق البصرُ بمجرَّد النظر حيث أنَّ الحيوانات أيضاً تنظر لكنها لا تفهم، فإذن هناك ثلاثة احتمالات : الأوَّلى : النظر والفهم . الثانية : النظر وعدم الفهم . الثالثة : عدم النظر وعدم الفهم . هذا كلُّه بالنسبة إلى الكلام التكويني. الكتاب التكويني والكتاب التدويني كتاب الله أيضاً ينقسم إلى قسمين: الأوَّل : تكـويني . الثاني : تـدويني . جميع الحقائق الموجودة في الكتاب التكويني موجودة في الكتاب التدويني الذي هو كتاب الله، لأنَّ القرآن ليس هو إلاّ مظهراً للكتاب التكويني، فجميع الكتب مهما توسَّعت فهي لا تستوعب كلَّ الكتاب التكويني ولا تمثِّله، بل ينعكس فيها كمٌّ ضئيلٌ من الكتاب التكويني، فمثلاً كتب الطب أو البيئة أو العلوم الأخرى لاتمثِّل جميع التكوين بل تمثِّل قسماً من عالم التكوين، كلّ بحسبه. الكتاب الوحيد الذي يمثل جميع ما في عالم التكوين هو القرآن الكريم حيث أنَّ الله سبحانه وتعالى بقدرته المطلقة قد جمع الكلام التكويني بما فيه من الخصوصيات، في كتابه العزيز. فهو كتاب تدويني مشتمل على جميع الكلمات التكوينية لاشتماله على فصول وأبواب وحروف، فنفس الحقائق الموجوده في الخارج أصبحت حروفاً، فلو سمعتَ عن الإسم الأعظم، أوعلم من الكتاب، أوعلم الكتاب فلا تتوهم أنَّ المقصود من ذلك صرف الكلمات بل المراد الكلمات التي تمثل عالمَ العين والخارج، فهي في الحقيقة ليست إلاّ وقائع خارجية، ولكن ليس كلّ انسان يعرف ما في القرآن بل يحتاج ذلك إلى الجدّ والجهد، فكما أنه تعالى وبالنسبه إلى كتاب التكوين يقول : {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور} (الملك/15) فلابد للانسان من البحث للعثور على الرزق، فكذلك بالنسبة إلى القرآن لا بد من السير والفحص والدقّة حتى الوصول إلى كنوزه غير النافذة. فاتحة الكتاب التكويني قال الإمام الخميني قدِّس سرُّه: (( ففاتحة الكتاب التكويني الإلهى الذي صنفه (تعالى جدّه) بيد قدرته الكامله بالوجود الجمعي الإلهي المنزّه عن الكثرة المقدّس عن الشَين والكدورة بوجهٍ هو عالم العقول المجردة والروحانيين من الملائكة والتعين الأوَّل للمشيئة وبوجهٍ عبارةٌ عن نفس المشيئة فإنِّها مفتاح غيب الوجود وفي الزيارة الجامعة: بكم فتح الله، لتوافق أفقهم عليهم السلام لأفق المشيئة كما قال الله تعالى حكاية عن هذا المعنى: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، وهم عليهم السلام من جهة الولاية متحدون أوَّلنا محمّد، أوسطنا محمد، آخرنا محمد، كلّنا نور واحد، ولكون فاتحة الكتاب فيها كلّ الكتاب والفاتحة باعتبار الوجود الجمعى في بسم الله الرحمن الرحيم وهو في باء بسم الله وهو في نقطه تحت الباء قال علي عليه السلام: أنا النقطة وورد: بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميَّز العابد عن المعبود)) (شرح دعاء السحر ص64) فكما أنَّ الكتاب التدويني يبدأ بسورة الفاتحة فالكتاب التكويني أيضاً كذلك ففاتحة الكتاب التدويني هو : ((بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين...)) قال في مجمع البيان: ((سمِّيت بذلك لافتتاح المصاحف بكتايتها، ولوجوب قرائتها في الصلوة، فهي فاتحة لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقرآءة)) (تفسير مجمع البيان ج1 ص47). وقد وردت أحاديث تؤكِّد أهميَّة هذه السورة منها ما ورد : ((إن الله خص بسوره الفاتحه محمداً (صلى الله عليه وآله) وشرفَّه بها، ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام، فإنَّه أعطاه منها بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: إنِّي ألقي إليَّ كتاب كريم إنَّه من سليمان و إنَّه بسم الله الرحمن الرحيم)) (بحار الأنوار ج14 ص128 الرواية14 باب9) وهي أوَّل سورة من الكتاب التدويني من حيث الافتتاح لا من حيث النزول، فكذلك للكتاب التكويني فاتحة وهي أوَّل سورة لها وهي أوَّل ما ظهر من العوالم بعد مرحلة الغيب المطلق أعني عالم الأحديَّة الذي لا سبيل للوصول إليه، فأوَّل ما ظهر هو التعيُّن الأوَّل، وهو عالم العقول المجردة أعني عالم الروحانية، وهو أوَّل مصداقٍ لمشيئته تعالى. هذا ولو تأمَّلنا أكثر لعرفنا بأنَّ أوَّل ما ظهر إنَّما هو نفس المشيئة الإلهيَّة كما شرحنا هذا الأمر بالتفصيل فراجع. وفي الحديث : ((عن زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيّما أفضل الحسن أم الحسين؟ فقال: إن فضل أوَّلنا يلحق بفضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق بفضل أوَّلنا، وكلُّ له فضل، قال: قلت له جعلت فداك وسِّع عليَّ في الجواب فإنِّي والله ما سالتك إلا مرتاداً، فقال: نحن من شجرة طيبة برانا الله من طينة واحدة، فضلُنا من الله، وعلمُنا من عند الله، ونحن أمناؤه على خلقه، والدُّعاة إلى دينه، والحجاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك يا زيد! قلت نعم، فقال: خلقُنا واحد، وعلمُنا واحدٌ، وفضلنا واحد، وكلُّنا واحدُ عند الله تعالى، فقال: أخبرني بعدَّتكم، فقال: نحن إثنا عشر هكذا حولَ عرش ربنا عزّ وجلّ في مبتدأ خلقنا أوَّلنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد)) (بحار الأنوار ج25 ص363 الرواية23 باب12) وفي حديث طويل قال عليٌّ عليه السلام مخاطباً أبا ذر وسلمان : ((أنَّه لا يستكمل أحدٌ الايمانَ حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية ...ثمَّ قال: معرفتى بالنورانية معرفه الله عزّ وجلّ، ومعرفةُ الله عزّ وجلّ معرفتي بالنورانية، وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين)) (بحار الأنوار ج26 ص16 الرواية2 باب14) وفي حديث آخر عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ((لا تعجبوا من قدرة ،الله أنا محمد ومحمد أنا)) (بحار الأنوار ج26 ص1 الرواية1 باب14) و قال الإمام الباقر عليه السلام : ((يا قوم لا تعجبوا من أمر الله، أنا عليٌّ، وعليٌّ أنا، وكلنا واحد من نور واحد، وروحنا من أمر الله، أوَّلنا محمَّد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمّد، وكلنا محمّد)) (بحار الأنوار ج26 ص1 الرواية1 باب14). حـرف البـاء إنَّ فاتحة الكتاب التي بها يفتتح الكتاب التدويني تبتدأ بالبسملة، وهذه البسملة مرتبطة بالفاتحة، وهي جزء من السورة، والباء هي التي ربطت بين "اسم الله الرحمن الرحيم" وبين "الحمد لله رب العالمين"، ومن هنا أصبحت الباء هي الرابط بين الإسم والحمد، في الحديث الشريف النقطة هي ولي الله الأعظم، فهو الرابط بين الخالق والمخلوق، حيث أنَّ المخلوق قد تجلى في "الحمد لله رب العالمين" لأن الحمد كلَّه لله حيث لا حمدَ إلاّ للجمال، والكمال، والقدرة، وكلُّها مظاهر الله سبحانه الظاهرة في أسمائه، فنحن نشاهد المحبوب في آياته وآثاره، فنمدحها لأنَّها مرآته تعالى: ((ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه)) متعلق الجار و المجرور ولا يخفى أنَّ الجار والمجرور يفتقران إلى متعلَّق فعلاً كان أو أسمَ فاعلٍ أو اسمَ مفعولٍ أو صفةً مشبّهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل أو مصدر، والسر في ذلك أنَّ الحرف ما هو إلا للربط، والرابط لا بدَّ أن يربط بين شيئين، فلو لم يكن هناك إلاّ شيءٌ واحدٌ، فلا ربط في البين وحيث لا ربط فلا مربوط. وربَّما يحذف المتعلَّق عند وجود قرينة على الحذف، كما في قولك "زيدٌ في الدار" أي مستقرٌّ. ولكن هذا الأمر لا يتأتَّى في البسملة، فعندما يقال "بسم الله الرحمن الرحيم" فمن الطبيعي أن يُسأل : بإسم الله ماذا ؟ في الجواب قال الكثير من المفسرين : باسم الله أستعين، وهذا رغم شهرته لا دليل عليه، فلقائل أن يقول باسم الله أتوكَّل أو أستغفر أو...، فكلُّ تلك الأفعال تفتقر إلى قرينة غير موجودة، فما هو الحلّ إذاً؟ إرتباط البسملة بالسورة مادام أنَّ البسملة مرتبطة بالسورة فلماذا نلتجأ إلى خارج السورة للبحث على متعلق، فبالإمكان حصول المتعلَّق من نفس السورة وهو المتعيَّن. أقـول: إنَّ المتعلَّق للجار والمجرور في البسملة هو ما يأتي بعدها، وفي سورة الفاتحة هو "الحمد لله". فيكون المعنى هكذا : إنَّ جنس الحمد أي كلُّه لله تعالى، ذلك لأنَّه لا يتحقق حمدٌ إلاّ باسمه تعالى فمادام الحامد هو اسم الله والمحمود هو اسم الله، فالحمد لله، يكون بإسم الله. وهذا لا يختص بسورة الفاتحة بل هو جارٍ في جميع السور، فبإسم الله الرحمن الرحيم إقرأ، وباسم الله الرحمن الرحيم قُلْ وهكذا، وان كانت دائرة الإسم في كلِّ سورة غير دائرته في سورة أخرى، كما أنَّ أوسع دائرة ونطاق لإسم الله هو نطاق الإسم الموجود في بسملة سورة الفاتحة، وذلك لسعة إطار الحمد لأنَّه لله ربِّ العالمين. نعـم : إنَّ سورة التوبة لا تبتدأ بإسم الله حيث البرائة والنفي وهي تعني الابتعاد والتنفُّر والانزجار، ولا يكون ذلك باسم الله، فالعدم الصرف والشرّ المحض لا يكون مظهراً من مظاهر الله تعالى، فهو جلَّ شأنه وتبارك اسمه وجودٌ مطلقٌ وخيرٌ محضٌ وكمالٌ صرف. أهمية نقطة الباء فمادام أنَّ الرابط بين اسم الله الرحمن الرحيم الراجع إلى الحق وبين الحمد لله رب العالمين الراجع إلى الخلق إنَّما هو الباء، فبطبيعة الحال أوَّلُ مظهَرٍ من مظاهر الله تعالى وأوَّل تجلِّي من تجلياته الذي هو أعلى مستوى من الخلق لتقدِّمه على الخلق، هو الباء وقد ورد: ((بالباء ظهر الوجود وبالنقطة يتميز العابد عن المعبود)) ولا يخفى أنَّ النقطة هي الباء، لأنها تتميَّز بنقطتها الموحَّدة عن المثناة أي التاء والمثلَّثة أي الثاء، فبهذه النقطة قد تميَّز العابد عن المعبود وذلك باعتبار أنَّ أوَّل ما ظهر هو الباء، وهي المشيئة التي شرحناها سابقاً. وقال علي عليه السلام : ((أنا النقطة)) (بحار الأنوار ج40 ص156 الرواية 54 باب93) وقد ورد في الزيارة الجامعة : ((بكم فتح الله )) (بحار الأنوار ج101 ص153 الرواية3 باب18) و قال تعالى : {السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أوَّلئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (الواقعة/10-12) ((وعن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى والسابقون السابقون أوَّلئك المقربون قال: نحن السابقون...)) (بحار الأنوار ج24 ص4 روايه11 باب23) القـلم قال الإمام قدِّس سرُّه : ((وفي بعض خطب أمير المؤمنين ومولى الموحدين سيدنا ومولانا علي بن أبي طالب صلوات اللّه وسلامه عليه: "أنا اللوح وأنا القلم، أنا العرش، أنا الكرسي، أنا السموات السبع، أنا نقطة باء بسم اللّه وهو سلام اللّه عليه بحسب مقام الروحانية يتحدُّ مع النبي صلى اللّه عليه وآله، كما قال صلى اللّه عليه وآله أنا وعلي من شجرة واحدة وقال: أنا وعليٌّ من نور واحد إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على اتحاد نورهما عليهما السلام وعلى آلهما)) (شرح دعاء السحر ص87) أقـول وفي تفسير على بن إبراهيم : ((عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوَّل ما خلق الله القلم، فقال له اكتبْ، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة)) (بحار الأنوار ج57 ص366 روايه1 باب4). وفي حديث آخر : ((عن محمد العطار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن النوفلى عن على بن داود اليعقوبى عن الحسن بن مقاتل عمن سمع زرارة يقول: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن بدء النسل من آدم على نبينا وآله وعليه السلام ...إن الله عز و جل أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة، قبل خلق آدم بألفي عام، وإنَّ كتب الله كلها فيما جرى فيه القلم)) (بحار الأنوار ج11 ص223 روايه2 باب5) فنتسائل : ماذا يقصد بالقلم؟ و لم سمِّي بهذا الإسم؟ وما هو دور القلم؟ في الجواب نقول : إنَّ دور القلم هو إظهار ما في الضمير على صفحة الورق، فالإنسان عندما يأخذ قلماً فهو إنَّما يظهرُ ما هو مكنون ومكتوب على صفحة نفسه وباطنه، ويكتب به على صحيفة حسِّية شهودية وهي الورق، فالقلم إذاً واسطة بين ما في الضمير "أعني الغيب" وبين الشهود، ووسيلة لظهور الفيض ونشره على الصحيفة الظاهرة، ومن هنا أُطلق القلم على أوَّل ما خُلق، لأنَّه تعالى كتب به بيديه الجلالية والجماليَّة، فالقلم واسطة بين الخالق والمخلوق. والجدير بالذكر ما ورد في الحديث التالي عن ابن عبّاس قال : ((إن أوَّل ما خلق الله من شيءٍ القلم، فأمره ان يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامه والكتاب عنده ثم قرأ: "وإنَّه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم")) (بحار الأنوار ج11 ص223 روايه2 باب5) وفي كنز العمال عن الحسن بن أبى الحسن الديلمى بإسناده : ((عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سأله سائل عن قول الله عزّ وجلّ: وإنَّه في أمّ الكتاب لدينا لعليٌّ حكيم، قال: هو أمير المؤمنين))(بحار الأنوار ج 23 ص 210 روايه 16 باب11) وفي دعاء الغدير المنقول في التهذيب و المصباح : (( فاشهدْ يا إلهى إن الإمام الهادي المرشد الرشيد علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين الذي ذكرتَه فى كتابك فقلت: وإنّه فى أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)) (بحار الأنوار ج 98 ص 304 روايه 2 باب4) وعلى ضوء ما قلنا يمكنك الجمع بين الأحاديث المختلفة في هذا المجال ففي الحديث الذي يتحدَّث عن أسئلة الشامي من أمير المؤمنين عليه السلام، قال الشامي: ((أخبرني عن أوَّل ما خلق الله تبارك وتعالى فقال: النور)) (بحار الأنوار ج 1 ص 96 روايه 2 باب2) كما أنَّ هناك حديثاً آخر روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: ((أوَّل ما خلق الله نورى)) (بحار الأنوار ج 1 ص 97 روايه 7 باب2) وهو صلى الله عليه وآله العقلُ الأوَّل الذي قد وردت أحاديث كثيرة في شأنه وأنَّ: ((أوَّل ما خلق الله العقل)) (بحار الأنوار ج 1 ص 97 روايه 8 باب2) الإمـام المبـين من هنا يمكنك معرفة الآية المباركة التالية: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين}(يس 12) فالإنسان الكامل يشتمل على كلِّ شيء وكل حادثة، وعليه نعتقد أنَّ أئمتنا عليهم السلام يعلمون ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإذا عرف الإنسان خليفة الله فقد عرف الله، وذلك لأن خليفة الله هو باب معرفتة تعالى، وكل صفة من صفاته تجلٍ ومظهرٌ لصفة من صفات الله تعالى، فعلمه مظهر لعلم الله، وقدرته مظهر لقدرته، وحلمه مظهر لحلمه، ولطفه مظهر للطفه وهكذا سائر صفاته، وأفُقُه نفس أفق القرآن الكريم، فهو القرآن الناطق المشتمل على كلِّ شيء كما أنَّ القرآن الذي بين الدفتين في المصحف الشريف هو الكتاب الصامت الذي يقول عنه تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام/59) ومن هنا قال تعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} و في الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم : ((من عرف نفسه فقد عرف ربه )) (بحار الأنوار ج2 ص32 روايه22 باب9) وقد ذكر صدر المتألهين (قدِّس سرُّه) احتمالات أربعة لهذا الحديث ومن جملتها : من عرف الانسان الكامل وهو النبّي الأكرم محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم فقد عرف ربَّه، إذ أنَّ الإنسان الكامل هو المثل الأعلى لله سبحانه وتعالى، فبمعرفته يعرف الإنسان ربَّه ، ولئِن كان النظر إلى سائر المخلوقات يوصل الإنسان إلى الربّ، فإنَّما يتعرَّف على ربِّها، لا ربِّ الناس، وبين الأمرين بونٌ بعيد، فلاحظْ دعاء الجوشن الكبير العظيم الشأن الذي رواه جماعة من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم)، وهو من الأدعية المعروفة المروية عن الإمام السجاد زين العابدين عن أبيه عن جدِّه علي بن أبي طالب عن النبي الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين: ((يا رب النبيين والأبرار، يا رب الصدِّيقين والأخيار، يا ربّ الجنة والنار، يا ربّ الصغار والكبار، يا ربّ الحبوب والثمار، يا ربّ الأنهار والأشجار، يا ربّ الصحاري والقفار، يا رب البراري والبحار، يا ربّ الليل والنهار، يا ربّ الإعلان والإسرار)) (بحار الأنوار ج94 ص391 روايه3 باب52). ثمَّ قارِنْ بينه وبين قوله تعالى : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس* مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (الناس/6:1) ومن هذا المنطلق يمكنك معرفة الحديث القدسي الذي يقول : ((كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف)) (بحار الأنوار ج78 ص199 الرواية6 الباب12) فكل من يتكلَّم فهو يحب أن يُظهر ما ضميره ويشتاق إلى إعلانه، فمنشأ التكلّم هو العشق، والقرآن الكريم هو إظهار للغيب المطلق الذي هو الكنز المخفي، وفي الحديث: ((إنَّ الله تعالى تجلَّى في كتابه و لكن لا تبصرون)) ومن هنا صار النظر إلى الكتاب الإلهي كالنظر إلى الله سبحانه وتعالى، فكذلك الإنسان الكامل أعني الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم كالقرآن الكريم بالنظر إليه يعرف الله سبحانه وتعالى. قال صدر المتألهين رضوان الله تعالى عليه : ((قال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" والمراد منها نفوس الكمَّل من الأنبياء والمرسلين، لأنَّ نفسَ كلِّ واحدٍ منهم كلمة تامة نازلة من عند رب العالمين "كتاب مرقوم يشهده المقرَّبون" مشتملٌ على آيات الملك والملكوت وأسرار قدرة الله والجبروت، ثم اصطفى من بينهم كلمةً جامعةً "أوتيت جوامع الكلم"، وأرسل إلينا رسولاً كريماً، ونوراً مبيناً، وقراناً حكيماً، وصراطاً مستقيماً، وتنزيلاً من العزيز الرحيم، فجعل نسخة وجوده نجاةَ الخلق من عذاب الجحيم، وكتابَه خلاصاً من ظلمات الشياطين، والقرآنَ النازل معه براءة العبد من سلاسل تعلُّقات النفس ووساوس إبليس اللعين)) (الحكمة المتعالية ج7 ص20) ثمَّ يختم كلامه (ره) في الموعظة الحسنة نذكرها إتماماً للفائدة: ((فاعرفه أيُّها السالك إلى الله! حتى تعرف ربَّك، قال تعالى : "من يطع الرسول فقد أطاع الله" وقال الرسول : "من رآني فقد رأى الحق" فصحِّحْ يا مسكين نسبتك إليه لأ انَّه الأصل في الوجود، والمؤمنون بالله واليوم الآخر تابعون له في المقام المحمود، والمؤمن من صحَّتْ له نسبة التابعية، كمرآةٍ وقعت فى محاذاة مرآةٍ حاذت الشمس فيتحدَّ معه فى النور "ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور" فافهم هذا)) (الحكمة المتعالية ج7 ص21) و الحمد لله ربِّ العالمين و صلى الله على أفضل بريته محمد وآله الطاهرين الهداة المهديين و اللعن على مبغضيهم و منكري فضائلهم أجمعين. |